لم تكن التشاركية في إنجاز مشروعات التخرج لدى طلاب الكليات الهندسية والتطبيقية خياراً مناسباً لدى معظم الطلاب قبل سنوات الحرب.
فقد كان طابع العمل الفردي هو المهيمن، إذ كان الطالب هو صاحب المشروع بدءاً من فكرته ومراحل العمل فيه بالتنسيق مع الأستاذ المشرف. لكن في ظل ارتفاع التكلفة المادية الكبيرة لمشروعات التخرج في هذه الكليات وعدم إمكانية ذويهم تغطية نفقاتها، لم يكن أمام هؤلاء الطلاب إلّا التوجه نحو المشروعات المشتركة وتقاسم تكاليف تمويل مشروعات تخرجهم.
وعلى الرغم من أن بعض مشروعات التخرج في الكليات التطبيقية والهندسية ترقى إلى مستوى البحث العلمي، والعديد منها قدم ابتكاراً لفكرة منتج يمكن تطويرها لاحقاً، وبعضها نال براءة اختراع وأسهم في اكتشاف مواهب علمية حقيقية، إلّا أنه لا يوجد في أنظمة الجامعات وقوانينها أي بند صريح يسمح بتمويل هذه المشروعات، وحتى التي تقيم بالنوعية وتقدم حلولاً علمية لمشكلات واقعية تعاني منها بعض القطاعات والشركات والمصانع.
يشير عميد كلية الهندسة الميكانيكية والكهربائية الدكتور مازن محايري إلى عدم وجود بند قانوني يسمح بتقديم الدعم المادي لمشروعات التخرج، أو تغطية جانب من نفقاتها.
مبيناً أن بعض المشروعات النوعية المتميزة والتي تحتاج إلى مواد ذات تكلفة مرتفعة، وترى إدارة الكلية فيها إفادة لها في مجال التجارب المخبرية فإنها تتوجه إلى شرائها لمصلحة مخابر الكلية بدلاً من شراء التجربة من الخارج، حيث يستفيد الطالب والكلية معاً.
لافتاً إلى أن الكلية أقصى ما تستطيع تقديمه للطلاب إتاحة المجال للاستفادة من مخابرها وورشاتها وتسهيل عملهم في كافة مراحل إنجاز المشروع.
تشارك قسري
يوضح الدكتور حسن نوفل عضو نادي الروبوتيك في كلية الهندسة الميكانيكية والكهربائية أن التكاليف الباهظة لبعض مشروعات التخرج التنفيذية في كلية الهندسة الميكانيكية والكهربائية، كانت سبباً مباشراً في إحجام معظم الطلاب عن تنفيذ هكذا مشروعات بالرغم من الإمكانات العلمية والمهارات التي يتمتع بها هؤلاء الطلاب الذين ينجزون مشروعات نوعية متميزة. لافتاً إلى أن تكلفة أقل مشروع تخرج حالياً 200 ألف ليرة، والمشروع الأكبر يصل إلى 500 ألف ليرة بسبب تضاعف أسعار المواد والتجهيزات التي تتطلبها هذه المشروعات، ومعظمها مستورد، ما جعل الطلاب يلجؤون مضطرين إلى المشروعات المشتركة.
ويؤكد نوفل أنه رغم أهمية العديد من هذه المشروعات المبتكرة وتركز على النواحي التطبيقية، وبعضها يؤسس لمشروع في ريادة الأعمال، والبعض منها يطرح مشكلات حقيقية في بعض القطاعات والشركات، ولكن للأسف لا توجد آلية واضحة لدعمها وتبنيها والاستفادة منها ولايوجد تنظيم لها، فالفكرة تنطلق من الطالب إلى المشرف وعندما يتقدم الطالب بفكرة مشروعه لا يقدم دراسة مالية عن مشروعه كما هو الحال في مشروعات الدراسات العليا، علماً أن الطلاب لديهم القدرة على إعداد دراسة مالية لأي مشروع.
لافتاً إلى أن بعض الأستاذة المشرفين لهم دور كبير في التخفيف من أعباء هذه المشروعات على الطلاب من خلال إتاحة المجال أمامهم للاستفادة من مخابر وتجهيزات الكلية.
عدم الجدية
وأشار نوفل إلى أن بعض المشروعات تحتاج دعماً مالياً لتتحول من مشروع طالب إلى منتج صناعي أو تجاري، مشيراً إلى أن أصحاب الشركات والمعامل لا يتعاملون بجدية مع مشروعات التخرج رغم اقتناع الكثير منهم بأهميتها، وخاصة إذا كان اسم المشرف معروفاً، ولكن عامل الزمن مسألة أساسية لديهم، وبالتالي هم غير مستعدين لتمويل فكرة تطويرية لمشروع تخرج يستلزم عاماً من الطالب لإنجازه، في حين يستطيعون الحصول على النتيجة خلال شهر واحد فيلجؤون إلى المكاتب والشركات المتخصصة ويدفعون لقائها مبالغ كبيرة.
رضا لجنة التحكيم
ولأن مشروع التخرج في كلية الهندسة المعمارية تشكل علامته ربع معدل الدراسة في الكلية، فإن معظم الطلاب ينحصر هدفهم في الحصول على درجة ممتازة ولذلك فهم لا يترددون في البذخ على مشروعاتهم ويكون همهم أن ينال المشروع رضا لجنة الحكم، انطلاقاً من قناعتهم أنه مهما كانت فكرة مشروعاتهم جيدة ومخطط بحثهم سليماً، إذا لم يقدم المشروع وينفذ بصورة جميلة ولائقة فإن لجنة التحكيم لن تمنحهم العلامة التي يستحقونها وفق آراء معظم الطلاب، الذين أكدوا أن أصغر مشروع يكلف مبلغاً لا يقل عن 300 ألف ليرة مع طباعته وتنفيذ الماكيت الخاص به، ولذلك فإن صعوبة تمويل الطالب وحده للمشروع أجبر الطلاب على اللجوء إلى المشروعات المشتركة.
وهنا يؤكد عميد الكلية الدكتور سلمان محمود أن الدعم المادي لمشروعات التخرج في الكلية غائباً بسبب عدم وجود ميزانية مخصصة لها، والطالب وحده هو الذي يتكلف على مشروعه وتنفيذ كافة مراحل إعداده ويقتصر دور الكلية فقط على مساعدته في تعيين أستاذ مشرف وتسهيل مهمته لدى الجهات المعنية للاطلاع على الوثائق والمخططات الموجودة التي يحتاج إليها في تنفيذ مشروعه.
لافتاً إلى الكلية تساعد الطالب من خلال دعوة الوزارات والمعنية لحضور جلسات مناقشة المشروعات التي تعالج في معظمها مشكلات واقعية، وفي حال اقتنعت هذه الجهات بمشروع ما تقوم بعقد اتفاق مع الطالب والمشرف من أجل تبني المشروع والعمل على تطوير دراسته، وفي هذه الحالة تقوم هذه الجهة بتعويض الطالب عن تكاليف مشروعه.
مستودع قطع تبديل
بلغ عدد خريجي قسم الميكاترونكس في كلية الهندسة التطبيقية بجامعة دمشق العام الماضي 35 طالباً، وقد بلغت تكلفة مشروعات التخرج التي لهؤلاء الطلاب نحو 300 ألف ليرة.
ويؤكد رئيس قسم الميكاترونكس الدكتور محمود بني المرجة أن طلاب القسم تحملوا كافة الأعباء المادية لإنجاز مشروعاتهم والتي غلب عليها الطابع الجماعي، بسبب عدم وجود ميزانية خاصة بهذه المشروعات وهذا أثر على سوية بعض المشروعات التي لم ترقَ إلى الطموح المتوقع، فالطالب لا يستطيع الضغط على أهله لدفع تكاليف أكبر، مشيراً إلى أن طابع الدراسة في الكلية عملي ومخرجاتها تطبيقية ملموسة في سنوات الدراسة الأربع، وبالتالي من غير المعقول أن يتكلف الطالب تغطية نفقات دراسته ومشروعاته وبعضها قد يصل إلى نصف مليون ليرة سورية.
مشيراً إلى أن الكلية تقدمت بطلب من أجل تخصيص 4 ملايين ليرة لتمويل مشروعات الطلاب في الكلية، وقد تمت الموافقة على مليون و500 ألف ليرة فقط.
واقترح بني المرجة أن تمول الجامعة مستودعاً لقطع التبديل، بحيث يقوم الطلاب باستعارة القطعة وإعادتها إلى المستودع بعد الانتهاء منها، وبذلك يتم توفير مبالغ هائلة على الكلية والطلاب، وطالما سيبقى المشروع في حوزة الجامعة يجب عليها تمويله وخاصة إذا كان متميزاً لأنه في النهاية يحسّن من سمعة الجامعة.
عمل إبداعي فردي
يغيب العمل الجماعي عن مشروعات التخرج في الفنون الجميلة لأن الإبداع ذاتي، ولا يمكن لأي طالب مشاركة زميل له في هذه المسألة الإبداعية وفق تعبير عميدها الدكتور محمود شاهين، الذي أكد أن مشروع التخرج في كلية الفنون الجميلة جواز سفر الطالب للحصول على فرصة عمل في الجهة التي سيعمل فيها، والطالب يحرص على تقديم مشروع متميز بتكاليف باهظة.
لافتاً إلى أن الكلية لا تمول مشروعات الطلاب وإنما تقدم لطلاب قسمي النحت والحفر المواد التي يصعب عليهم إحضارها كالطين والأسيد والمواد السائلة اللازمة لتنفيذ مشروعاتهم في كافة السنوات وليس للتخرج فقط، في حين يتكفل الطلاب في اختصاصات الديكور والتصوير والاتصالات بتمويل مشروعاتهم.
مشيراً إلى أنه من خلال الاحتكاك بهؤلاء الطلاب ومتابعة مشروعاتهم نلاحظ أن معظم هؤلاء الطلاب قادرون على تغطية تكاليف مشروعاتهم وبأسعار باهظة.
المصدر : جريدة الأيام