تعالوا نتذكر آخر مرة كنا فيها نستمتع بالحياة اليومية، نتذكر كيف كانت حياتنا على ما يرام؟ كيف كنا نعيش الحياة ولحظتها بشعور الطفل المستمتع بها، قبل أن نكبر ونخسر تلك المشاعر الطفولية، حيث لم تعد تظهر لنا الحياة جميلة ورائعة بعد أن أصبحنا مثقلين بالمسؤوليات وكل هموم الحياة الأخرى وتداعيات الظروف الصعبة التي فرضتها الحرب الظالمة على سورية.
قررنا منذ البداية أن نتفهم ونصبر ونقاوم لنكسب الرهان على إرادتنا في الحياة، وكنا نأمل أن يكون الأمر واضحاً ومحدداً. وأيضاً كنا نأمل أن تكون تداعيات الأزمة فرصة لتعزيز الثقة والمكاشفة واحترام عقولنا وعدم الاستخفاف بمشاعرنا وأحاسيسنا، لا بل أكثر وأهم من ذلك بالأفكار والتصورات والحلول التي يمكن أن تأتي من أي مواطن أو صحفي أو محلل اقتصادي. لسنا مجردين من الأحاسيس والجميع يتمنى أن يكتب ما يسر الخاطر ويبعث الطمأنينة لكن الكتابة هي انعكاس لحالة وهذا هو منطق الحياة، فما يحدث من ترهل كبير في الوظيفة العامة يثير الكثير من القلق ويستدعي التأمل والتفكير لما لها من انعكاس على الوضع العام وما تفرضه من نتائج على صعيد العملية الإنتاجية وما تتركه أيضاً من حالات سلبية على الواقع المعيشي.
ما نراه اليوم على مستوى الوظيفة العامة على اختلاف مستوياتها وعلى الأخص الوظيفة المنتجة يجعلنا في حالة خوف على مستقبلنا ومستقبل مجتمعنا نتيجة ظروف معيشية هي الأقسى في تاريخ بلدنا، فالحالة العامة هي عدم الرضا نتيجة تدني مستوى الدخل والمعيشة وعدم القدرة على تأمين احتياجات الاستمرار بالحياة، والجميع يدرك أن أسباب ذلك كله تداعيات الحرب وما حملته من مشكلات ضاغطة أفرغت المفهوم الوظيفي من معناه وجعلت من العامل أو الموظف أشبه بآلة يستجيب فيها بصورة لا إرادية لواقع لا يريده لكنه في الوقت نفسه بأمسّ الحاجة إليه إلى جانب ثقافة التفكير بطرق أخرى لتعويض حالة النقص. ورغم ذلك مفهوم الوظيفة لم يتغير ولم يتطور بما يتفق مع المستجدات سواء على صعيد الجانب التقني أم المادي لأن الدخل أقل بكثير مما هو مطلوب والبحث عن البدائل هو الحالة الضاغطة وبصورة يومية على الوظيفة العامة في ظل ظروف مفرداتها السلبية تتفاقم يومياً ومكونات معيشية تذوب مع حالة التضخم وارتفاع الأسعار وغير ذلك من أسباب تزيد من ترهل النفوس قبل إهمال الوظيفة وظهور فساد بصور مختلفة خرجت عن فساد المال والإدارة واستغلال المناصب والسلوك الوظيفي وما يحمله من تهرب من المسؤولية والهروب من مواقع العمل وتقاضي الاستحقاقات المادية والتعويضات وغيرها، في حين البعض في المنازل أو في المتنزهات العامة وقلة منهم في مواقع عمل أخرى وكل ذلك ليس بالجديد على الوظيفة وإنما زادت واستفحل أمرها إلى درجة التعاطي بها جهاراً من دون حساب.
صحيح أن الأوضاع صعبة وحجم التحديات كبير والخيار هو التكيف مع المتاح رغم مرارة القرار إلا أن ذلك لا يبرر ولا يعفي من حالة المراوحة بالمكان وعدم اجتراح حلول تخفف من ثقل الأوضاع لا أن يتحمل المواطن كل التبعات، ومن حق المواطن وواجب الحكومة ومسؤولياتها اتخاذ قرارات وتدابير وفقاً لما تفرضه الأوضاع الحالية، ومن حق المواطن أيضاً أن يشعر بأن حلولاً تلوح بالأفق تحدد الأهداف المستقبلية وقادرة على التخفيف من الانعكاسات غير المناسبة على الواقع. فالوظيفة العامة هي الجسد الذي نتنفس منه لكن ماذا نفعل عندما ينقطع الهواء عن هذا الجسد؟!