Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.

حياة ومسيرة اللواء بهجت سليمان

نتحدث هنا مع رجل دولة عاصر و عايش أحداثا مهمة جدا على الصعيد الوطني وكان لاعبا رئيسيا في أوقات  فاصلة .. و بين المنصب و اللامنصب حافظ على حضوره و بقي في كل وقت رجلا مثيرا للجدل ..فهو رجل الأمن الذي جمع حوله مجموعة من المثقفين … و هو الذي جمع المتناقضات في سلة واحدة في عدة مواقف .

في هذا اللقاء مع  اللواء الدكتور السفير  بهجت سليمان نطل على جزء من شخصيته و بعض   من أرائه فيما جرى و يجري في سورية .

 1_ أين تجد نفسك أكثر كلواء أم كدكتور ..؟

 ج : سئلت مرات كثيرة فيما إذا كان يعجبني أكثر الرتبة العسكرية أم اللقب العلمي .. أنا لا أفكر بهذه الطريقة لكن إذا كنت تقصد ماذا أحب أن يناديني الآخرون  فأنا أفضل أبو المجد أو دكتور  وأنا افتخر بحياتي العسكرية و كذلك أزهو بلقب الدكتور، وربما أميل أكثر للّقب العلمي لأنه يرتبط بالفكر .

2_  بالعقل الأمني السوري ..ألم يكن من الممكن توقع هذه الأزمة وأخذ الحيطة لها ..؟

ج : إجمالا في بلدان العالم كلها المتطورة والمتخلفة وخاصة المتطورة هناك جهتان معنيتان باستشراف وقراءة المستقبل في ناقوس التحديات الوطنية هما مراكز الدراسات والبحوث الاستراتيجية والأجهزة الأمنية ، ومراكز الدراسات والبحوث بمعظمها إن لم يكن أكثر من معظمها تحولت إلى دكاكين تقوم بالنسخ واللصق والأخذ من هنا وهناك والتجميع (كتجميع مصانع السيارات) دون أن تصنع شيئا جديدا، وبالتالي بدأت تبحث عن الارتزاق إلا ما ندر، وعلى مستوى باحثين فرديين أراهم على شاشات التلفزة جيدين ولو كانوا معدودين..لكن كمراكز دراسات وبحوث ، ليست كذلك وبالتالي نكون بذلك فقدنا /50/ بالمئة سلفا..

أما بالنسبة لأجهزة المخابرات ، ففي كل بلدان العالم أيضا هي تستقرىء المستقبل وتقوم بدورها الوظيفي اليومي لكن لدينا بشكل عام تأخذ صفتين الأولى تعبوية والأخرى تكتيكية… أما الصفة الاستراتيجية والاستشرافية المستقبلية فأنها تفتقد لهما للأسف ، لأن الاستخبارات تعني لغويا _ الإنتليجنس باللغة الإنكليزية _ أي الذكاء وبالتالي يكون قادة الأجهزة الأمنية في الخارج معظمهم متخصصين ولو كانوا جنرالات.. إلا بالأمن العسكري، حيث يكونون متختصصين بعلم السياسة والفلسفة وعلوم النفس والاجتماع والاقتصاد.. وبالمفاصل الأساسية،  لدينا معظمهم عسكريون مقاتلون..  وفي الأزمة التي تمر بها سورية أثبتوا أنهم مقاتلون شجعان، لكن العمل الأمني ليس عملا قتاليا وإنما هو عملٌ معلوماتيٌ ذهني مهمّته جمع المعلومات ومقارنتها واستخلاص المفيد منها ، واستنتاج الرؤى الموضوعية المتناغمة مع تلك المعلومات ، والوصول إلى نتائج ومقترحات وخيارات ، يجري وضعها بين يدي صاحب القرار الأعلى ..

3 _كان لديك سيادة اللواء تحربة ما بعد عام  2000 وكان هناك حراك بشكل أو بآخر معارض وكنت في خضم ذلك…ألم يكن بالإمكان الاستفادة من تلك التجربة في رسم حدود معينة لهذه المرحلة الجديدة من الحراك ..؟

ج: هنا يجب التفريق بين أمرين، حيث انه وللأسف وهذا ما يؤلم المرء أحيانا أن الكثيرين ممن استوعبناهم في تلك المرحلة، خرجوا الآن على الوطن، لكن مع ذلك لا أرى أن تجربتنا معهم في ذلك الحين كانت ضارة .. وهنا استحضر موضوعا “عندما جاء المرحوم محمود سلامة عام 2000 رئيسا لتحرير صحيفة الثورة وخصص صفحتين لكتابة المعارضة ” حيث بدأ يشتكي وزير الإعلام آنذاك  ممن يكتبون بهذه الصفحات وكان يقول:  ” صبيحة كل يوم ، أفتح صحيفة الثورة لمعرفة “تخبيص” محمود سلامة” علما أن المرحوم سلامة لم يكن مخطئا، برأيي ، بل عقل وزير الإعلام  آنذاك لم يقبل ذلك ، على الرغم من أنه قضى عشرات السنين في الخارج .

وأما أن تكون وأنت تعمل في الأمن محاطا بما يشبه نادياً ثقافيّاً ، ضمن وسط ثقافي واجتماعي وسياسي، كوسطنا فذلك ما اعتبره الكثيرون تهمة،  لدرجة أن بعضهم من علية القوم قال “إن بهجت سليمان جعل من الأمن ناديا ثقافياً” وبالتالي كانوا يعتبرون التواصل مع المثقفين هو خارج إطار العمل الأمني ، مع أن ذلك بحسب رأيي يقع بصلب العمل الأمني من حيث التواصل مع المثقفين والاستفادة منهم وإشعارهم بالأمن والطمأنينة  وإعطائهم المساحة الكافية لكي يبدعوا، وهذا ما كنت أعتبره شخصيا أمراً يقع في صميم الواجب المهني والوطني.

 وبالتالي عندما تكون على تواصل مع المثقفين ، وتحل لهم العديد من مشاكلهم اليومية بشكل أو بآخر، ليشعروا أن هناك من يهتم بهم وليس ليشعروا  كما الصورة النمطية السائدة ” إما أن يعملوا معنا كمندوبين أو نعاديهم بدون وجود حد وسط لذلك ” ، وعندما حاولنا إيجاد ذلك الحد الوسط واجهنا انتقادات كثيرة من زملائنا في ميدان العمل الأمني.

4 _ هل تعتقد أن هناك جزءا من المسؤولين وفي مواقع مهمة لا يملكون الدراية الكافية بكيفية التعامل مع العقل الآخر الذي من الممكن أن يكون معارضا أو مختلفا ..؟

ج : هذا مؤكد حيث أن هناك الكثيرين ممن هم موجودون في المفاصل السياسية والإدارية والأمنية ليسوا على درجة كافية من القدرة على فهم التحديات القائمة وإدارك الأسلوب الكفيل بمواجهة  تلك التحديات.. فعندما تريد أن تواجه تحديا معينا يجب عليك البحث عن الأدوات الكفيلة والقادرة على مواجهة هذا التحدي ..وبعضهم لا يبحثون عن ذلك حيث أن جزءا ليس بالقليل من المسؤولين لدينا يفكرون “مياومة” ..لا يفكرون بالمستقبل الوطني بقدر ما يفكرون بـ كيف يحافظون على كراسيهم فقط ولذلك من يدفع الثمن هم البسطاء وعامة الناس والشرفاء والمخلصون في الوطن.

5 _ بحكم أنك عايشت مجموعة كبيرة من المسؤولين وكان لك دور لدى الكثير من الشخصيات ..فمن هو أكثر من خذلك منهم..؟ أو فوجئت به ..؟.. أو الذين تلونوا وكانوا بشخصية معينة أمام الدولة وفي أول فرصة لهم للخروج على الدولة خرجوا..؟

ج : أعتذر عن ذكر الأسماء والأشخاص وبكل الأحوال هناك نمط عام إجمالا لمن يعمل في السياسة ، حيث يبحث عمن يمكن ان يفيده في حاضره ومستقبله .. وعندما يرى أن شخصا ما أو جهة ما لم تعد قادرة على أن تدفعه أو أن تحميه وتحصنه وتحافظ على استمراريته فمن طبيعة الأمور أن يبحث عن منحى آخر أو اتجاه آخر كي يستند إليه ..وهذه من طبيعة الأمور .

6 _ من خلال النماذج الكثيرة  التي تعرفت عليها من الأدباء والمثقفين … كم كانت نسبة المثقفين الحقيقيين منهم ..؟ وكم نسبة الذين كانوا منهم يحبون أن يكونوا مندوبين أو أشبه بمخبرين اعتقادا منهم أن هذا الدور هو لهم ..؟

ج : هذا الموضوع يجب مقاربته بشكل لا يثير حفيظة بعض الناس الذين تعاملنا معهم، ناهيك أن الحديث عن مخبرين هي فكرة غير محبذة عندي لأنها تتعلق بطبيعة العمل الأمني الذي لا يمكن الحديث عنه .. ولكن للأسف الدسائس الصغيرة والحساسيات المتضخمة والنرجسيات المتورمة والإنتهازيات المتكتمة ، موجودة بكثرة بين أوساط المثقفين .. ومن خلال تجربتي وتعاملي مع المثقفين السوريون والكثير من العرب، أصبت بخيبة أمل لأنه في هذه الحرب التي شنت على سورية من سبع سنوات، شاهدنا قسماً كبيراً من المثقفين الحقيقيين وليس المتثاقفين فقط أو ممن يدعون الثقافة ، كانوا خيبة أمل ، بالنسبة لي ولغيري ..

والكثير منهم إن لم نقل أنهم أنصاف مثقفين فهم أرباع  وأعشار ومرتزقة ثقافة..  وعلى سبيل المثال على ذلك اثنان أحدهما مات روحيا وجسديا والآخر مات روحيا وبقي جسديا..  الأول صادق جلال العظم والثاني أحمد برقاوي ، كنا أصدقاء نجلس طويلا ونتناقش بأمور عديدة ، وكان ولاؤهم للدولة الوطنية السورية جيدا  على ما يبدو ظاهريا علما انهم لم يكونوا مستفيدين  من سورية كدولة فقط وإنما من النظام السياسي فيها.. فعندما ألف جلال العظم كتابه بعد هزيمة 1967 التجأ من لبنان إلى سورية وجرى تكريمه مع أنه ليس بعثيا وعيّن رئيسا لقسم الفلسفة حتى اوائل القرن الحادي والعشرين ، وأيضا أحمد برقاوي كان مدللا على جميع الأصعدة وبالنتيجة هؤلاء باعوا وطنهم وتاريخهم ومستقبلهم وسمعتهم وذهبوا وراء رنين الدولار والدينار والريال .

وأما آخرون ، على سبيل المثال لا الحصر ، ممن هم ليسوا مثففين أمثال رياض سيف ومأمون حمصي فهؤلاء كانوا مكشوفين بأنهم امتدادات واستطالات للخارج ، وجرى التعامل معهم على هذا الأساس ، وطبعا هذا لا ينفي وجود عدد من المثقفين الكبار ، وطنيا وقوميا ، كانوا كبارا وبقوا كبارا طيلة الحرب الكونية على سورية.

أما خلال وجودي في الأردن ، فكنت أركز على  3 أمور هي تفنيد وفضح  الوهابية والإخوان المسلمين وتعرية “المثقفين” المارقين  .. وكانت فجيعتي كبيرة بالمثقفين من جميع الشرائح وخاصة من الماركسيين السابقين باعتبار ان البعض منهم ذهب اليوم إلى حضن امريكا ، وهنا  لا يجب أن نتهم كل الماركسيين بسببهم، بل الماركسيين المارقين الذين خرجوا عن ماركسيتهم وتربعوا بحضن نواطير الكاز والغاز كميشيل كيلو مثلا الذي انتهى بماركسيته  في حضن بندر بن سلطان، فهؤلاء خذلوا الشعب السوري وباعوا شرفهم ووطنهم هذا إذا كان لديهم شرف.

7 _ هؤلاء اليوم في مكان والدولة في مكان آخر .. في أي تسوية سياسية قادمة أو حل سياسي ..كيف يمكن النظر إلى هؤلاء ؟.. وكيف يمكن التعامل معهم ..؟

ج : إن مشكلة هؤلاء ليست مع النظام السياسي بقدر ما هي مع الشعب السوري ،  حيث أن هناك حالة نفور شديدة جدا من السوريين تجاههم، وهم الذين كانوا يُنظر إليهم كرموز ثقافية وفكرية وأدبية ، قد خذلوا الوطن والشعب عندما وقعت الحرب على سورية ، وبالتالي أعتقد أنهم لا يستطيعون السير في شوارع دمشق بدون حراسة ..

والحل حقيقة لا يقتصر على هؤلاء فهناك الكثير من القوى الوطنية المعارضة سواء الموجودة  في الداخل او الخارج   ممن لم ينخرطوا في القتل والعمليات الارهابية أو تغطية تلك العمليات الارهابية او تبريرها وأدلجتها لأن من يكون كذلك هو موضوع من قبل الشعب السوري في صف الإرهابيين ، وسورية ليست عاجزة عن استنبات واستزراع واستخراج الحقيقة .

8_ عند الحديث عن الحلول للأزمة السورية فعلى عاتق الدولة البحث عن تلك الحلول لأنها صاحبة القول الأخير في تلك الحلول..كيف تجدون ذلك ..؟ وإلى أين يمكن أن تأخذنا الحلول..؟

ج : إن الحلول ليست بجلب هؤلاء ووضعهم في مفاصل الدولة طالما انهم لا يمثلون شيئا بالداخل..والؤال هو : هل يجب  مكافأتهم عما قاموا به ونشكرهم على ذلك  ..؟

9 _هل يمكن اعتبار أولئك المعارضين ممثلين لمصالح بعض الدول من تلك المشاركة بالحرب على سورية ..؟ وأن التسوية معهم هي تسوية مع تلك الدول ..؟

ج: لقد تبين فيما بعد أن البعض ممن كنا نعتقد أنهم ممثلون للمصالح الوطنية.. تبين أنهم ممثلون لمصالح خارجية ، وأنهم كانوا اختراقا لدينا في الوطن  ..فهل  نستطيع مثلا أن نقول إن أسعد مصطفى ورياض حجاب ورياض نعسان آغا وعبد الحليم خدام لم يكونوا اختراقا للوطن  .. هؤلاء كانوا موجودين بالداخل ويمثلون مصالح خارجية.

يقول البعض أنهم انشقوا حديثا ، ولكنني ـعتقد أنهم اختراقات سابقة في قلب الوطن ، ثم انشقوا عندما طلب منهم مُشغلوهم ، الانشقاق.

10 _عندما يكون الاختراق على هذا المستوى العالي من نائب رئيس إلى رئيس مجلس وزراء ووزراء ..أليس ذلك نقطة ضعف لدى الدولة لحدوث مثل تلك الاختراقات ..؟

ج :  مهما كان الجسم قويا .. عندما تهاجمه الجراثيم ، تستطيع تلك الجراثيم أن تحقق نجاحات معينة ، وقد تستوطن في قلب الجسد ، وتبقى سنوات طويلة في حالة كمون.. فعلى مستوى الاتحاد السوفييتي وصلت الاختراقات إلى أعلى المستويات حتى وصلوا إلى المستوى الأعلى القيادة العامة للدولة والأمانة العامة للحزب الشيوعي عن طريق ميخائيل غورباتشوف .. وهنا ليست هناك مسوؤلية شخصية ملموسة في حصول تلك الاختراقات ،لأن نمط العمل السياسي بشكل أو بآخر يفسح مجالا لوجود ثقوب وفجوات .

11 _ الأجهزة الأمنية بطريقة او بأخرى تتابع الأشخاص من الناس العاديين وتتابعهم بأمور جدا  صغيرة  ..لكن هؤلاء المسؤولين في مناصب عالية ومهمة .فكيف لا تتم متابعتهم ..؟

ج : هذا من أخطاء الأجهزة الأمنية في الفترة الماضية لأن المتابعة كانت مقلوبة حيث كان من الواجب  يجب أن تكون موجودة ،  إذا لم نقل متابعة فمواكبة أو مراقبة لمفاصل أساسية في الدولة .. أما عامة المواطنين فلا أرى داعيا على سبيل المثال  أن  تقوم أربعة أجهزة أمنية بدراسات عن موظف سيكون معلم مدرسة أو موظف عادي في البلدية .. بمعنى لا يجب تضييع الوقت بمثل هذه الأمور .. لأننا  عندما نقول أربع أجهزة أمنية فهذا يعني أنه ستكون هناك أربع دراسات وثمانية عناصر تقوم بمثل هذه المهمة.. وهنا تحضرني حادثة أيضا ” مرة قال لي ممدوح عدوان رحمه الله في عام 2000 وذلك خلال تعزية الدكتور حامد خليل ..قال لي أنا لي بدمشق 35 عاما وانا واثق أن اضبارتي لدى الأجهزة الأمنية كبيرة وممنوع من السفر ..هل من المعقول أنهم عندما يريدون إجراء دراسة عني يرسلون لمختار الضيعة في مصياف يسألونه عني وأنا منذ 35 عاما أسكن بدمشق” وطبعا هذه من الاخطاء التي تعالج بالعمل الأمني ومن الأخطاء التي تستهلك ثلاثة أرباع عمل الأمنيين ما يؤدي لتضييع السمت والبوصلة والاتجاه.

وبالتالي بشكل أو بآخر  تحتاج الأجهزة الأمنية ، إلى العمل الدائب والحثيث لتطوير نفسها ،بما يجعلها قادرة على مواجهة التحديات الجديدة.

12 _ كرجل لك خبرة بالعمل الأمني والفكري ..كيف تصورك لإمكانية إعادة هيكلة الأجهزة الأمنية..؟

ج : أنا لا اقول إعادة هيكلة، ولا أحبذ هذا المصطلح الذي يستخدمه أعداؤنا في الخارج ، بقدر ما اقول إعادة تنظيم ، وبكل الأحوال فإن الأجهزة الأمنية كانت تسير باتجاه أكثر مهنية  قبل أن نواجه تحدي الإخوان المسلمين في عام 1976 ، وبعد أن بدأ هذا التحدي كان التركيز بشكل أو بآخر على مواجهة هذا التحدي .. ونمط مواجهة مثل التحديات دفع الأمور باتجاه محدد ،على حساب باقي الاتجاهات الوطنية الأخرى،  وهذا الاتجاه المحدد بعد القضاء على الإخوان في حماة عام 1982 وتفجير الباصات عام 1986 جرى العمل به وبقي العمل بهذا الاتجاه يغرق بالتفاصيل على حساب الكليات وفي الجزئيات على حساب الأساسيات وبالتالي لم ينطلق

العمل الأمني من رؤية منظومية شمولية ومن رؤية استشراقية استشرافية للمستقبل فغرقت الأجهزة في خضم العمل اليومي الإجرائي وجرى الانزلاق إلى الكثير من المتابعات والنشاطات التي لا تفيد العمل الوطني بشيء بل قد تكون أحيانا عبئا عليه .. ولكن الأهم من ذلك ان نمط العمل الأمني ينطلق من أن (الأمن( يعني (الأمان) بمعنى عندما نقول رجل أمن فيجب أن يكون رجل أمان ، بحيث عندما يصل المواطن السوري إلى جانب فرع أمن لا يجب أن يخاف بل يجب

أن يطمئن..  وإذا لم يطمئن فهو ليس بجانب فرع أمن بل بجانب شيء يمكن تسميته أي شيء آخر باعتبار ان فرع الأمن يجب ان يكون مبعث طمأنينة وراحة وسكينة للمواطن السوري وهذه المسألة لم تتحقف  ، وهي مهمة اساسية يجب ان تتحقق بالمستقبل من خلال بناء جسور من الثقة ما بين المواطن ورجل الأمن ن فعندما تبنى هذه الثقة فإن معظم المواطنين سيتحولون إلى رجال أمن كما هو الحال في الغرب حيث يعتقد المواطن بأن أمن الوطن من مسؤوليته بينما عندما يجرى على اعتبار أي مواطن بانه متهم فهذه كارثة كبرى، ولكن الأهم من ذلك بشكل أو بآخر والأكثر الحاحا الآن هو تجبير الهوة بين رجل الأمن والمواطن لأن رجل الأمن هو الذي يستقبل المعلومات التي يقدمها المواطن ، ويعيد صياغتها وتنقيتها ، طبقا لعدد من المعطيات الأخرى المتوافرة لديه ..وإذا لم تكن هذه المعلومات التي ترفع لصاحب القرار ، صحيحة ودقيقة ، فهذا يعني أنه يجري خداع صاحب القرار..إضافة إلى ضرورة ان يعمل رجل الأمن على احترام المواطن لأن مهمته ليست قمع وإخافة وترويع  المواطن بل خدمة المواطن وحل مشاكله والحفاظ على أمنه  وهذه أعتبرها حلقة من أهم الحلقات من بين التحديات المستقبلية .

13 _ كنت على علاقة مع كثير من المعارضين ..كيف تقيم ذلك ما رأيك بهم كمعارضة؟

ج : مع كل احترامي للآخرين ،  سواء أكانوا يستحقون هذا الاحترام أم ليسوا أهلا له.. حتى الآن لا أرى معارضة وطنية إلا القلة القليلة ، لأن من يذهب إلى السعودية أو تركيا وفرنسا وأميركا و بريطانيا أو إسرائيل كي يتلقى منها تعليمات .. لا يمكننا أن نسميهم معارضين وطنيين بل هم معارضة غير وطنية وحتى لا يجوز إطلاق مصطلح معارضة عليهم وإنما نسميهم معارضة غير وطنية تجاوزا .. فهم بالحقيقة مجاميع  و زمر و مجموعات  تعيش على الارتزاق المادي و تمتطي هذه العلاقة الخارجية لكي تنتقل بشكل أو بآخر لتشارك بمفاصل السلطة .

14 _ لماذا  لم يهاجم المعارضون الدكتور بهجت بالطريقة التي هاجموا بها شخصيات أخرى ..؟ ما هو تفسيرك لذلك ..هل لأنهم يحفظون لك ود  قديم جراء خدمات وأشياء أخرى قدمتها لهم في أوقات سابقة..؟

ج : لا أنا في الحقيقة هوجمت من قبل الكثير منهم لكن يجوز أن بعض الذين لم يتحدثون عني بالسوء  مازالوا يمتلكون الحد الأدنى من الضمير وهؤلاء قلة قليلة .. ولكن كما ذكرت خرج على الفضائيات الكثير منهم واتهموني بأني إرهابي ومجرم وقاتل ، وهناك البعض الآخر كان صديقا لي ، و زارني منهم بعد مؤتمر صحارى منتصف عام 2011 وهو الدكتور محمد حبش و كان معه عمه والد زوجته الدكتور محموج كفتارو .. وقلت له  أنت يا دكتور تحدثت في الاجتماع عن أن 80 بالمئة مما يجري في سورية كان السبب داخليا وعشرون بالمئة خارجيا.. ألم يكن أفضل واكثر صوابية لو عكست تلك النسب فما كان منه سوى أن تهرب من الجواب.. ومع كل ذلك عندما أصبح خارج البلد هاجمني وتحدث عن أمور أدعى أنها حدثت بيني وبينه وهي غير صحيحة صارت بيني و بينه بل هي  لم تحدث أصلا.

15_ بعض المعارضين .. كانوا  من المدللين من قبل الحكومة ..؟

 .ج :  أولئك متسلقون ، استطاعوا بشكل أو بآخر أن يصلوا إلى مناصب أساسية، و بعد أن وصلوا  أصبح الآخرون هم من يحتاجهم و ليس هم الذين يحتاجون الناس.

16 _عندما كنت في الأردن سفيرا لسورية وحدثت مجادلات مع الأردنيين .. هل كان من الأفضل بقاؤك هناك مع أقل حدة و بتأثير أكبر ..؟ أم أن الخيط الأبيض تبين من الخيط الأسود لذلك جعلت الأمور مكشوفة على الآخر..؟

ج : قيل عني البعض عندما كنت في الأردن أنني عدواني ..فقلت لهم لابد من التفريق بين الهجومي و العدواني .. و قلت لهم أنا عسكري قبل أن أكون دبلوماسياً و بالتالي تعلمت ألف باء العمل العسكري بأن الهجوم هو أفضل وسيلة للدفاع والرجل الدبلوماسي في ظروف الحرب هو عبارة عن  مقاتل وراء خطوط الصديق و عند خطوط العدو و بالتالي من الطبيعي أن يتحول الدبلوماسي إلى مقاتل و محارب و عليه أن يكون اقتحامياً  و هجومياً ..  وهذه العمليات الاقتحامية و الهجومية فُسّرت من قبل البعض أنها عدوانية ..والحقيقة أن العدوان يعني

أن تعتدي على الآخرين من غير وجه حق أما الهجومية فهي أن تقوم بدفاع هجومي لمواجهة الآخرين قبل أن يصلوا بهجومهم إليك.

ومن يخلطون بين العداونية والهجومية ، يحتاجون إلى دورة محو أمية عسكرية وسياسية وثقافية ، بل وأمنية.

وأنا أرى أنه لا مكان لدبلوماسية المائدة و دبلوماسية الكلام المهادنفي الحرب ، هنا لأننا مقاتلون و خاصة في بلد كالأردن وهنا أعني ( الأردن الرسمية و ليس الشعبية) فهي عبارة عن ساحة معادية لسورية وماخور لعشرات الأجهزة الأمنية المعادية الخليجية والأوروبية و الإسرائيلية و كل من هب و دب  موجود هناك.. والنظام الأردني بمعظمه تاريخيا معاد لسورية ودوره وظيفي بينما مثلا في لبنان هناك نصف الشعب اللبناني معك و وقوى وازنة على الأرض حليفتك ولست وحيدا فيها بينما في الأردن فأنت تقاتل لوحدك وعليك أن ترسم من الضعف قوة و من اللاشيئ أشياء وأن تصنع ليس من الحبة قبة فقط  بل أن تصنع منها هرماً لكي تستطيع بشكل أو بآخر أن تُري الآخرين بأنك قوي ولست ضعيفا أو خائفا ولاسيما انه في عملية الإعلام لا يجوز أن تظهر على أنك مهتز أو قلق .

وكثير من النقاشات و الحوارات التي كانت حصلت هناك بيني و بين المحامين والأطباء و المهندسين و رابطة الكتاب الأردنيين وكانت تسير بهذا الاتجاه وخضنا سجالات طويلة و لذلك استطعنا أن نشكل مرتكزا وطنيا قوميا  في الأردن حيث هناك خامات وطنية جيدة زنقية لكنها تفتقد إلى جدار تستند إليه و عندما ترى هذا الجدار الوطني و القومي التي تستند إليه فأنها تتمسك به و بقوة .

حتى بعض أصدقائنا و من بينهم رحمه الله ناهض حفتر قبل طردي بعام واحد  قال لي  ” يا دكتور ارجوك ثم ارجوك ثم ارجوك أن تخفف من حدتك تجاه السلطة الأردنية”  فقلت له يا أبو معتز كيف تريد مني أن اخفف وهم يهاجمون وطني ورئيسي وجيشنا الوطني ؟ وسكوتي سيفهمه البعض ضعفا ..فقال لي (الجماعة هون ، عينن محمرة منك ، وأي غياب لك عن الساحة الأردنية ،يعني أننا كحركة وطنية أردنية ستصاب باليتم).

17 _ ماذا تشعرك ردود الفعل على كل ما قمت به .. ؟

ج :  عبر مسيرة حياتي كنت دائما أعتبر أن واجبي الوظيفي والوطني والأخلاقي والإنساني هي النواظم التي تنظم عملي ..فانا كسفير ممثل للجمهورية العربية السورية ولرئيس الجمهورية يتطلب واجبي ان أقوم بعملي بالشكل الأقصى وليس بالحد الأدنى ولا أنتظر تعليمات ولا توجيهات، لأن وجودي على رأس عملي ، كائنا ما كان وأينما كان ، هو تويجه لي بأن أقوم بجميع واجباتي بالحد الأقصى وليس بالحد الأدنى ولذلك كنت سواء بالعمل الدبلوماسي أو في الميادين الأخرى عير حياتي الوظيفية ، أقوم بما أرى انه واجبي فإن أصبت فهذا واجبي وإن اخطأت فأنا جاهز للحساب.. فالإنسان يحتاج إلى مبادرات دائما أما هذا النوع من الاستنقاع والكسل والبلادة والبيروقراطية المعششة في الكثير من الزوايا الإدارية  والحكومية فهذه انا أبتعد عنها  ولذلك كنت أبادر وأعمل وأقوم بمؤتمرات وأنشر كتابات ومهما عملت كنت أعتبر نفسي مقصرا وهذه أمر لم يعتادوا عليه هناك ولا هنا.

ومنذ عدة أيام كان هنا وفد قومي ثقافي فكري أردني من بين الوفود العربية ،  ممن التقوا بالرئيس الأسد وكان بينهم إثنان لا أعرفهم فقال لي احدهم نحن في الأردن يكفينا  فخرا بانهم لم يحفظوا اسم سفير لديهم كما حفظوا اسم بهجت سليمان وذلك ليس لأنني متميز بل لأني قمت بواجبي بما أراه يتماشى نهج سورية الأسد وتاريخ سورية .

18 _ فكريا ..من الذي صنع عقل بهجت سليمان ..؟ سواء كأشخاص أو مفكرين أو كتاب أو كتب ..؟

ج: إن أول كتاب قرأته كان عمري 10 سنوات وكان “العبرات والنظرات ”  لمصطفى لطفي  المنفلوطي ومن ثم كتاب الأجنحة المتكسرة لجبران خليل جبران وفيما بعد قرأت كتاب النبي بالكامل وذلك في عمر /13/ عاما  وفي الرابعة عشرة من عمري بدأت أكتب الشعر في عامي 1963 و1964 ومن ثم توقفت عن كتابة الشعر خمسون عاما حتى عودتي من الأردن.

 وطبعا الفضل الأول في ذلك لوالدي ” ماجد سليمان ” الذي كان يعمل بتجارة الأقمشة حيث ان قريتي “زنيو” التي تبعد عن القرداحة 7 كليومترات لم يكن فيها مدرسة ولا طريق يوصل إليها فطالب عام 1955 بمدرسة خلال ذهابه إلى المدينة “اللاذقية” بحكم عمله كتاجر إلا ان الجواب كان لا يمكن إقامة مدرسة في قرية ليس لها طريق يوصل إليها فذهب إلى قرية أخرى وأحضر شيخا خطيبا يدعى علي احمد كي يعلمني باعتبار أنا الولد البكر لديه وفعلا أقام الشيخ في قريتنا تسعة أشهر مع عائلته بعد ان أعطاه والدي منزلا بالقرية وتم تجميع أبناء القرية كلها لتعليمهم حيث ختمت خلال تلك الفترة القرآن الكريم مرتين إضافة إلى تعليمنا أصول الطرح والجمع والضرب والقسمة .. وفي عام 1959 استقر والدي كتاجر في مدينة اللاذقية وأكملت دراستي فيها.

أما فكريا فأول من كان له الفضل علي هو سليمان كامل أستاذ اللغة العربية في المرحلة الاعدادية وهو أخ الصحفي محمود كامل..  حينها كنت أصغر الطلاب سنا حيث نظم لنا دفتر أسماه”دفتر الثروة اللفظية” حيث كان يعطينا كل يوم عشرة كلمات من اللغة العربية “أي الكلمات الصعبة” بحيث أول عشر دقائق من كل حصة كان يقول لنا “هذا دفتر الثروة اللفظية..وكل كلمة فيه تعادل ليرة سورية” وبهذا الأسلوب دفعنا لمزيد من التعلم والحب تجاه اللغة العربية ولاسيما

أنه كان يمتلك فكر فلسفي تأثرنا به جميعا حيث كان يحدثنا عن سقراط وافلاطون وهذا حقيقة ما حدا بي لشراء الكتب بكثرة حتى أنني اذكر بأني والدتي كان تقول لي ” يا ابني اقرأ بكتبك المدرسية ..من أين أحضرت هذه الكتب الملونة” وفعلا قرأت البؤساء في عام 1964 واحدب نوتردام عام 1965 .

وكنت منذ المرحلة الثانوية أسجل كل عبارة تعجبني مما أقرأ ضمن دفتر حتى وصل عدد الدفاتر لدي إلى 27 دفترا مكون كل واحد منها من 300 صفحة وفيما بعد انتقلت إلى الفيسبوك  ، ويمكن القول إن كل تجربة حياتي من عام 1965 وحتى الان موجودة  في هذه الدفاتر .

19 _ كيف كانت علاقتك بالإعلام ..؟ وما هو رأيك بالإعلاميين..؟

ج: إن لدينا إعلاميين جيدين كأشخاص وأفراد بدليل أنهم عندما يعملون خارج البلد يبرزون وسبب ذلك ان المناخ يصبح مختلفا  وكذلك نمط الإدارة والقيادة وهامش الحرية والحركة والاجتهاد والمبادرة وتتوج كل هذه الأمور أن المردود يصبح مختلفا ايضا ، فهذه العوامل الأربعة مجتمعة للكثيرين من الإعلاميين المغمورين لدينا بأن يبرزوا خارج البلد ، أما هنا فهذا النوع من التضييق غير المبرر على الصعيد الوظيفي والأداء والمبادرة لذلك يقل “الأوكسجين” وعندما يقل الأوكسجين  تضعف الحركة وهذا ما يحدث لدينا.. وأنا غير راض  عن هذا الأداء .

20 _ هل السبب برأيك هم وزراء الإعلام والمؤسسات الإعلامية..؟

ج: إن وزراء الإعلام يأتون في هذا الإطار مكملين ،وأنا لدي قناعة بأنه لو جاء الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل نفسه لن يستطيع تغيير شيئا لدينا في الإعلام .

ولكن هذا لا يعفي وزراء الإعلام من تحمل مسؤولياتهم في تدهور أداء الإعلام السوري ، وخاصة ذلك الوزير الذي استلم وزارة الإعلام في العقد الثامن من القرن الماضي ، وغادر الوزارة في بداية هذا القرن ومع ذلك أعتبر نفسه مغبونا لإعفائه بعد كل تلك المدة الطويلة.

21_ كيف كانت علاقتك بمحمد حسنين هيكل…؟

ج: علاقتي به جيدة وكنا على تواصل وقد كتب عني كلام جميل جدا قبل وفاته بنحو /6/ أشهر تقريبا بعد أن أرسل له صديق مشترك كتاباتي حيث قال ” خسارة أني لم التق بهذا الرجل سابقا” حيث أنني لم التقيه سابقا وعندما جاء إلى سورية في عام 1994 لم استطع لقاءه حيث كان يعتبرني وزير الإعلام آنذاك محمد سلمان مٌتسلطا على الاعلام ولذلك كان له موقف بشكل أو بآخر مع العلم أن طبيعة عملي واهتماماتي هي التّمّاس مع رجال الإعلام والثقافة بمعنى أن

عملي الوظيفي واهتماماتي الشخصية تتطلب ان أكون على تّماس مع رجال الثقافة والإعلام في حين اعتبرها محمد سلمان نوع من التدخل في صلاحياته .

ونحن شئنا أم أبينا دائما حرية الحركة في الإعلام الرسمي صعبة فعلى سبيل المثال عندما اقترح وزير الاعلام عدنان عمران بنوع من المزايدة التي لا داع لها ..اقترح إلغاء وزارة الإعلام ولكن التجارب السابقة تقول عكس ذلك حيث ألغوا وزارة الإعلام في مصر سابقا ومن ثم أعادوها وكذلك في الأردن ، أي أن الفكرة تتمحور حول انه في بلدان العالم الثالث إلغاء وزارة الإعلام هو “ضحك على اللحى” فطالما الدولة هي من تقود الإعلام وتديره فيجب أن تكون هناك وزارة إعلام بينما في الدول التي يكون فيها الإعلام الخاص هو الغالب والسائد يمكن إلغاء وزارة الإعلام ففي اسرائيل الإعلام مرتبط برئاسة الوزراء وبكل الأحوال بوجود صحف كبرى خاصة ووكالات انباء كبيرة لا تحتاج البلد حينئذ لوزارة إعلام.

إن طرح إلغاء وزارة الإعلام في بلد مثل سورية هو عدم إدراك لحقيقة الأمر وهو “عمى بصر وبصيرة” عن رؤية ما هو قادم.

22_ ما رأيك بالمسؤولين بالوقت الراهن.. من حيث المستوى والأداء وطريقة اختيارهم وشخصياتهم  ؟

ج: بداية هل يعقل ان يخرج وزير التربية ليقول للمعلمين” من لا يعجبه راتبه فليستقيل” مهما حاول نفي ذلك بعدئذ .. وعن رأيي بالمسؤولين .. ثلاثة أرباع وزرائنا ومسؤولينا الموجودين اليوم لا أعرفهم شخصيا ..وطبعا هذا “ليس انتقادا او انتقاصا لأحد” .. ولكنني أعتبر أن الحكومة الحالية والتي سبقتها حاولتا ان يعملا شيئا ..لكنهم لم يستطيعوا أن يرتقوا إلى مستوى القدرة على مواجهة التحديات القائمة وقد يكون السبب الأول هو عدم توافر الأدوات الجيدة بين أيديهم  سواء أكانت مادية أو معنوية نتيجة الظروف الصعبة والقاسية جدا التي مررنا بها بغياب ونقص الموارد الصناعية والزراعية والسياحية والنفطية.. ورغم ذلك يتحملون المسؤولية ،  لأنهم كانوا يستطيعون أن يقدّموا أكثر من ذلك.. وذلك من خلال المثل القائل “الظلم على الرعية.. العدل بالسوية”  أي عندما تكون في القلة عادلا مع الناس يكون الأمر مختلفا وعندما يشعر المواطنون  ان الوزراء أكثر ميدانية كما هو حال رئيس الوزراء الآن ..فهو رجل ميداني لكن لا يكفي أن يكون رئيس الوزراء ميدانيا.. وإنما كل الوزراء أيضا حيث يجب أن يقضي الوزير نصف وقته ميدانيا والنصف الآخر مكتبيا .

إن من حق المواطنين على الوزراء أن يخففوا من عملية التسويق الإعلامي لما يرونه أنه إنجازات لهم  في مواجهة التحديات القائمة وألا يفسحوا بشكل أو بآخر مجالا للمواطنين  أن يعولوا على وعود خلبية غير قابلة للتحقيق لكي لا يصابوا بالمزيد من الإحباط الذي امتلأت به جعبتهم ، هذه المسألة ستصيب المواطنين بخيبة أمل كبرى ولذلك قلت إن بعضهم  يعملون بالمياومة ، “فلا يكفي أن أكون راضيا عن نفسي وأن أسوّق نفسي وأرضي رئيسي المباشر ..بل يجب ان يكون وجداني راضيا وأن اكون مقتنع بأني أعطيت الحد الأقصى من المطلوب مني وهذا ما أراه في البعض منهم .

23_ تنقلت في العديد من المناصب ..فكيف كان تعامل البشر معك ..وهل كان لدى بعضهم نظرة مصلحية من حيث اقترابهم وابتعادهم وهل كان هذا الاقتراب والابتعاد ليس مبنيا على الخلاق بقدر ما هو مبني على المصالح ..؟ أم أن المجتمع معك كان منصفا وعادلا في تعاطيه معك..؟

ج: أنا دائما استذكر قول لنابليون بونابرت يقول ” الناس كالأرقام قيمتهم تتوقف عند مواضيعهم” فالناس كشخص ليسوا معنيين بـ بهجب سليمان أو أي شخص آخر وإنما بالمكان الذي يشغله الشخص وماذا يمكن أن يقدم لهم من فائدة أو من ضرر ولذلك إما يتعاملون معه لتحقيق الفائدة أو من أجل تجنب الضرر ومن لا يفهم هذه المسألة يكون العطل فيه وليس في الآخرين ..وهذه حقيقة ، علينا أن نستوعبها ونتعامل معها كأمر واقع وهي ليست موجودة لدينا فقط بل في كل المجتمعات الأخرى ..بل قد يكون لدينا حد معين من الأخلاقيات وقيم إنسانية ليست موجودة

في المجتمعات الأخرى.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى