في سنوات الحرب السّابقة ثمّة من كان يحاول التّرويج لإشاعات شتّى، بهدف ترويع السكّان في المناطق الآمنة، عن تسلّل إرهابيّين مثلاً لتسميم مياه الشّرب في تلك المناطق.
لم تتعدّ تلك الأقاويل حدود الإشاعة وإن تكن قد سبّبت الهلع في نفوس النّاس وقتها. اليوم أصبح الخوف حقيقة مؤكّدة في مدينة مصياف بعد أن عاشت في الأيّام القليلة الماضية ما يمكن وصفه بأخطر كارثة يمكن أن تتعرّض لها مدينة مأهولة بالسكّان: تسمّم مياه الشّرب فيها.
بعد التحليل والاطلاع
لم يكن ذلك على يد الإرهاب إنّما بتقصير “الأيادي الأمينة” المسؤولة عن الخدمات الأساسية في هذه المدينة التي تُعد من المناطق الآمنة المهمّة .. بدأت القصّة وتطورّت سريعاً عندما تزايدت حالات الإسهال والإقياء التي وردت إلى مشفى مصياف الوطنيّ، والتي كانت مجهولة السّبب بداية حتّى تبيّن لاحقاً القاسم المشترك لتلك الحالات فجميعها من الحيّ الشرقي في المدينة الذي يشرب جميع سكّانه من بئر واحد هو المعروف ببئر “دوّار ربعو” والذي تضخّ مياهه إلى بيوت السكّان مباشرة بدون “الترقيد والفلترة في خزّانٍ رئيسيّ”
يقع البئر دوّار ربعو في أخفض منطقة في المدينة بجانب مسيلٍ مائيٍّ تتجمع فيه كلّ الأوساخ و القذارات التي يجرفها ماء المطر عدا عن أنه عرضة لمختلف أشكال التلوّث والعبث، سواء الطّبيعيّ أم المقصود، كما يؤكد الدكتور قاهر أبو الجدايل رئيس مجلس مدينة مصياف على صفحته على فيسبوك في عدّة منشوراتٍ نشرها حول الموضوع الكارثة و التي يؤكّد فيها أيضاً أنّ اختيار موقع البئر كان خاطئاً منذ البداية، فهو موقع تلوّث طبيعيّ وهناك كثيرٌ من المواقع أفضل وأنظف، ومعروفٌ أنّ منطقة مصياف غنيّة بالمياه الجوفيّة بسبب موقعها الجغرافيّ و نسبة الهطولات المرتفعة فيها.
واللافت أن أبو الجدايل يؤكد مسألة أخرى كانت تعانيها المدينة لمدة لم يحددها، ففي منشور وجهه لـ “الأخوة مواطني مدينة مصياف الأحبة” يقول إنه “وبعد الاطلاع على تقارير مديرية البيئة والتي استمرت لمدة خمسة أشهر متتالية، وجميع التقارير تثبت أن نسبة الكلور بمياه مصياف كانت أقل من الحد الأدنى بكثير جداً، طوال الوقت، مما يجعل قلة الكلور أو انعدامه وحتى ليوم واحد سبباً مؤكداً لحصول التلوث”
إن تسممتم أخبرونا!
مجلس المدينة سارع إلى تلافي التّقصير الحاصل وقام بتجريف الأوساخ حول البئر ووضع القساطل الإسمنتية لمجرى المسيل المائيّ بجانب البئر، بينما قامت مؤسّسة مياه مصياف بإيقاف البئر عن العمل وإرسال عيّنات منه للتّحليل في المخابر التّابعة لها ليخرج بعدها أحد المسؤولين فيها “المهندس علي الرّاضي” ليؤكّد على صفحته أيضاً أنّ كلّ ما يشاع عن بئر “دوّار ربعو” هو “مدعاة للسّخرية”، ويقول إن نتائج التّحاليل بيّنت أنّ مياهه “صالحة للشّرب”! ذلك قبل أن يعود بعد قليل ويعدّل ما قاله، ويوضح: “أنّ نتائج التّحاليل الجرثوميّة لم تنته بعد” ثمّ يطلب من الأهالي ملاحظة لون الماء و طعمه ثمّ إعلام المؤسّسة المعنيّة في حال “تسمّمهم”!
بكل أمانة
مديريّة البيئة، من جهتها، أثبتت في تقاريرها أنّ نسبة الكلور كانت أقلّ من الحدّ الأدنى لمعالجة مياه الشّرب في مدينة مصياف .. أما السّيّد محافظ حماه فتوعّد بمحاسبة المقصّرين.
يذكر أنّ عدد سكان مدينة مصياف يفوق الثّلاثين ألفاً، وهي تستضيف الآن ضعفي عدد سكّانها من النّازحين من المناطق المنكوبة.
من جهتهم .. لا يجد هؤلاء إلّا أن يرفعوا أيديهم إلى السّماء في صلاة استسقاء لعلّ يد الله أرحم من كلّ الأيادي القابضة على حلوقهم و .. “بكلّ أمانة”