محرّك مهم للاقتصاد الوطني، لكن خلال الحرب على سورية تعرّض لكثير من الضرر والتخريب، خسارة نصف القطيع تقريباً بسبب التهريب والذبح العشوائي وغيره، تزامن ذلك مع عدم تطبيق التشريعات الخاصة بها بما يتناسب والظرف الحالي الذي يمر به القطيع، ما جعل قطاع الثروة الحيوانية مهدّداً بالانهيار.
يحتاج إلى خطط تنفيذية
مدير الإنتاج الحيواني في وزارة الزراعة الدكتور أسامة حمود أوضح أن برنامج تنمية الثروة الحيوانية يعتمد على مجموعة من المحاور المحددة المؤطرة بخطط تنفيذية وبرامج زمنية، أهمها: تحسين إدارة وتنظيم خدمات قطيع الثروة الحيوانيّة من خلال الشروع بترقيم وتسجيل القطيع تباعاً، وصولاً إلى الحصر الشامل لأعدادها، وترميم قطيع الثروة الحيوانية الذي تعرض للتهريب والسرقة والذبح العشوائي خلال سنوات الأزمة، وأيضاً الاستمرار باستيراد السلالات المحسنة من الأبقار، لافتاً إلى ضرورة زيادة الإنتاجيّة وتدعيم الواقع الصحي للقطيع، من خلال إنشاء قطيع نواة لتطبيق التقانات الحديثة ونشر العروق المحسّنة وإعادة العمل باختبار النسل وإنشاء مخبر لهذا الغرض يعتمد على فحوص الـ DNA، منوهاً بضرورة تطوير إنتاج اللقاحات البيطرية كمّاً ونوعاً وتحقيق الاكتفاء الذاتي.
وأضاف د. حمود: مشروع التنمية يحتاج أيضاً إلى تحسين نوعية وزيادة إنتاج الأدوية البيطرية والاستغناء عن استيرادها، إضافة إلى زيادة إنتاج الدواجن، من خلال السعي لتأمين متطلباتها من الأعلاف وزيادة عدد وإنتاج مداجن الأمّات، وتنظيم عمل المسالخ.
بيئة تشريعية
وعن ضرورة أن تكون هناك بيئة تشريعية خاصة بالثروة الحيوانية بما يتلاءم مع الظروف التي يمر بها هذا القطاع المهم، بيّن د. حمود أنّ البيئة التشريعية الخاصة بقطاع الثروة الحيوانية والمتمثلة بالقانون رقم 9 لعام 2019 وتعليماته التنفيذية (القرار 90/ت لعام 2020) هي بيئة تشريعيّة متطورة وملائمة، ويتم تحديثها باستمرار بما يتلاءم مع المعطيات الحديثة، إلّا أن هذا القطاع يعاني- شأنه شأن كل القطاعات الأخرى- من بعض الصعوبات الناجمة عن التخريب الممنهج للقطاع خلال سنوات الحرب، والعقوبات الاقتصادية الأحادية الجانب، مؤكداً أن الصعوبات تتمثل بارتفاع أسعار الأعلاف وعدم كفاية المتاح منها، وارتفاع أسعار رؤوس الحيوانات، وأيضاً تكاليف الخدمات المرتبطة بالعملية الإنتاجية وقلة الكادر الفني البيطري، إضافة إلى صعوبة تسويق منتجات الثروة الحيوانية، الأمر الذي يتطلب توفير الأعلاف بأسعار مناسبة، وتأمين رؤوس الحيوانات بأسعار وطرق مقبولة، واستيراد قطيع أبقار ذات صفات وراثية عالية، وتحسين خدمات الجمعيات المتخصصة، والأهم هو الحدّ من تهريب الثروة الحيوانية، وتحسين واقع التصنيع والتسويق والخدمات الداعمة (البحث العلمي – التمويل)، ومنح قروض لشراء رؤوس الحيوانات من دون فوائد.
إجراءات للحد من التهريب
وفيما يتعلق بتهريب الحيوانات عبر الحدود، أشار حمود إلى وجود جهود كبيرة تُبذل من الجهات المعنية للحدّ من هذه الظاهرة، وهناك تعاون بين وزارة الزراعة والجهات المعنية لتحقيق ذلك، وقد تم على سبيل المثال لا الحصر، الاتفاق مع إدارة الجمارك العامة على تنظيم عملية الرعي في المناطق الحدودية، عبر ترقيم الحيوانات المعدَّة للرعي في تلك المناطق بغية ضبط حركة الحيوانات، كما يتم اعتماد وثيقة نقل الحيوانات الممنوحة من الوزارة – مديرية الصحة الحيوانية ودوائرها لضبط الحركة الداخلية للحيوانات.
اعتماد وثيقة نقل الحيوانات بهدف ضبط حركتها الداخلية للحدّ من تهريبها
بدوره خبير الثروة الحيوانية المهندس عبد الرحمن قرنفلة أوضح أن الثروة الحيوانية تشكّل محركاً للاقتصاد الوطني، من خلال مساهمتها بتوفير حاجة السكان من منتجاتها المختلفة التي تدخل في عدد كبير من الصناعات، وأنه رغم أن الإحصاءات الرسمية تشير إلى أن مساهمة الثروة الحيوانية بمجمل الناتج الزراعي لا تتعدى ٣٣% إلّا أن حساب قيمة منتجاتها غير النقدية من سماد عضوي وقوة عمل ونقل يرفع مساهمتها إلى ما يفوق 55% .
نصف القطيع
تعرضت الثروة الحيوانية خلال الحرب إلى ضغوط هائلة أدت إلى خسارة البلاد حوالي ٤٠ – ٥٠% من قطعان الأغنام والأبقار والدواجن، سواء عبر عمليات التهريب إلى دول الجوار أو عبر الذبح العشوائي لإناث القطعان، فضلاً عن تدهور كمية المتاح من مستلزمات الإنتاج وتعثّر نقل المنتجات من مواقع الإنتاج إلى أسواق الاستهلاك وتوقف حركة الصادرات بشكل تام خلال سنوات الحرب، حسب ما أكده قرنفلة.
وذكر أن صعوبات تنمية الثروة الحيوانية في سورية تعاني من عدة صعوبات لأسباب، منها أسباب فنية، تتمثل بعدم وجود عروق حيوانيّة متخصصة بإنتاج اللحوم وأخرى بإنتاج الحليب أو الصوف، حيث تعدّ الأبقار التي تتم تربيتها في سورية ثنائية الغرض ” لحماً وحليباً ” والأغنام والماعز ثلاثية الغرض” لحماً وحليباً وصوفاً أو شعراً”، إضافة إلى تراجع نظم التربية والتغذية والرعاية والإدارة، حيث لا تزال الأغنام والأبقار والماعز تربّى على الطريقة نفسها التي كانت تربّى بها من أقدم العصور، وأيضاً عدم الاستثمار الأمثل لمخلفات المحاصيل ومخلفات الصناعات الغذائية في تغذية الحيوان بشكل أمثل، مشيراً إلى وجود تخلّف نظم الإنتاج، حيث إن 78% من مربّي الأغنام حيازتهم أقل من 100 رأس غنم، و83% من مربي الأبقار حيازتهم أقل من 5 رؤوس بقر، بينما 85% من مداجن الفروج تقع طاقتها الإنتاجية بين 5-10 آلاف طير، مؤكداً أنه تحت هذه الطاقات الإنتاجية لا تتحقق اقتصادية عالية من الإنتاج، ما يرفع تكاليف الإنتاج، ولا ننسى أيضاً غياب المعلومات الإحصائية الدقيقة وعمليات الترقيم والتتبّع الرقمي للثروة الحيوانية.
أسباب تنظيمية وإدارية
وبيّن قرنفلة أن هناك أيضاً أسباباً تنظيمية وإدارية وقانونية يعاني منها قطيع الثروة الحيوانية، وتتمثل بعدم وجود وزارة مختصة بشؤون الثروة، وغياب الاتحادات النوعية المختصة بالعروق الحيوانية، وكذلك غياب القوانين والأنظمة التي تشجّع إقامة شركات كبيرة مختصّة بإنتاج اللحوم، وعدم تشميل الثروة الحيوانية ببرامج دعم الصادرات وبرامج دعم الإنتاج الزراعي، عدا ذلك توجد قوانين تفرض رسوماً وضرائب متعددة، تساهم في رفع تكاليف الإنتاج، أما الأسباب التسويقية، برأي قرنفلة، فتعود إلى عدم وجود أسواق نظامية حديثة للثروة الحيوانية، وغياب المعارض المختصة بها، وأيضاً غياب المعلومات التسويقية عن حالة الإنتاج، إضافة إلى عدم توفر البيانات الإحصائية عن توقعات العرض والطلب، ولا نغفل المعوقات المالية التي تتعلق بتمويل عمليات تسمين الحيوانات وإنتاج اللحوم، إضافة إلى تواضع دور صناديق التأمين على الحيوانات.
مهدّد بالانهيار
النمو في القطاع يواجه صعوبات جمّة تجعله عرضة للانحدار السلبي المدفوع بتأثير ظروف معقدة، وتأتي في مقدمتها صعوبة الحصول على التمويل اللازم لاستمرار التربية، ومستلزماتها المرهقة، وتراجع تدفقات رؤوس الأموال في مفاصل القطاع، ما أدى إلى توليد تحدّيات جسيمة في مواجهة حالة عدم اليقين تجاه مستقبل إمداد السوق بكامل حاجته من اللحوم والألبان والبيض، إضافة إلى أوجه النقص في توفير مستلزمات الإنتاج، ولعل الشيء الرئيسي الذي ألقى بظلاله على هذا المشهد هو صعوبة الحصول على مادة المازوت والتعقيدات المرافقة، حسب ما أكده خبير الثروة الحيوانية .
وذكر قرنفلة أنّ الأولويات الاقتصادية تحتّم التوجه نحو التركيز على سياسات التنمية والتمويل للقطاع الحيواني، لأنه سيغذّي النمو في القطاعات التابعة والمتأثرة بنشاطه، وإذا لم تتخذ إجراءات سليمة تمنح القطاع المرونة والدعم المالي المطلوب، فقد تنشأ مخاطر في مواجهة حالة عدم الاستقرار ضمن القطاع، وما ينجم عنها من انحسار منتجات الثروة الحيوانية من الأسواق.
وختم حديثه بأن على الجميع إدارات ومؤسسات وحتى أفراداً ومربين العمل على تنمية إنتاج الثروة الحيوانية وخفض تكاليف إنتاجها وذلك عن طريق إحداث وزارة مختصة بالثروة الحيوانية، وكذلك إحداث اتحادات نوعية لمربي الثروة الحيوانية ومنتجي اللحوم والحليب والبيض، وإيجاد قاعدة علفية تتناسب وأعداد الثروة الحيوانية وتوسيع الاعتماد على تحسين استخدام المخلفات الزراعية بتغذية الحيوان، مع رفع مستوى الإرشاد الزراعي في مجالات تغذية ورعاية وتربية الحيوان، إضافة إلى تحديث أنماط الإنتاج التقليدية.
وأخيراً يمكن القول إن سورية بلد زراعي بامتياز، بشقّيه الحيواني والنباتي، والحفاظ على هذا القطاع مسؤولية تقع على عاتق الجميع، لأن الثروة الحيوانية مورد اقتصادي غير قابل للنضوب، وهذا ما تحتاجه البلاد في الفترة القادمة، حيث يسهم ذلك في تحسين واقع الاقتصاد بشكل عام.
تشرين