لن تتمكن من معرفة سعر البنزين في السوق السوداء بدقة.. بمعنى هل هو بسعر 7000 أم بسعر 8000 ليرة للتر الواحد.. فالقائمون على هذه السوق يظهرون قدرة على توحيد أسعارهم لكنهم يتركون لزبائنهم هامشاً للطمع والجشع، فلاحقاً سينعكس الأمر عليهم ويسيرون هم أنفسهم على السعر الذي يسوقه هؤلاء الزبائن الذين يميلون عادة الى رفع سعر السوداء ليبرروا طمعهم الزائد وأسعارهم الفاحشة؟
هل تدركون من أين تتم تغذية السوق السوداء بالمشتقات النفطية، وهو سؤال “الاتهام ” الرئيسي الذي يوجهه الجميع للحكومة، والحكومة هنا ليس ذنبها في بقاء المجال متاحاً للسوق السوداء فهو فوق قدرتها وطاقتها طالما أنّ مشروع أتمتة كافة مراحل انتقال المشتقات يسير ببطء وطالما أنّ هناك إصرار على عدم تغيير نسبة من يبيع المشتقات النفطية كحل مطروح , ومن أجل ذلك تحوّل أصحاب الكازيات الى أهم وأشهر الحرامية “المستعصين” في البلاد وللأمانة كلهم مسنودين ومدعومين أكثر من كل الشعب الذي يُدعم؟
إن مسؤولية الحكومة هي في تراخي أجهزتها الرقابية والتموينية التي تعتمد على “المعالجة بالنقص” تماما ” كالادارة بالنقص” بمعنى أننّا نقرأ يومياً عن مخالفات وكبسات تموينية على حرامية المشتقات النفطية ولكن هذا لم يمنع السرقات ولم يؤثر على السوق السوداء قيد أنملة، بل إنّ السوق السوداء تتفرد هذه الايام بتسعير كل شيء بلا استثناء، بمعنى أنّ أوراق الأسعار التي تصدرها وزارة حماية المستهلك هي “للكبسات بالنقص” التي أشرنا إليها اعلاه فقط .
على كل ألا تريدون معرفة من أين تتم تغذية السوق السوداء، إذا أنّه ووفقا لمعلومات خاصة حصل عليها موقع “سيرياستيبس” من مصادر وصفها بالموثوقة فإن، المصدر الأول للبنزين والمازوت في السوق السوداء هو قيام الكثيرين ببيع مخصصاتهم المدعومة وبالسعر الحر للاستفادة من فارق السعر بين المدعوم والسوداء وبين الحر والسوداء وهي بحسب معلوماتنا تتم بارقام كبيرة ويمكن تبريرها بحاجة الناس الى المال لمواجهة الغلاء الذي تتسبب فيه السوق السوداء نفسها التي تتم تغذيتها بالمخصصات؟
أما المصدر الثاني والذي هو وبكل تأكيد الكازيات التي لديها سلسلة متكاملة للسرقة سائدة ومنذ سنوات طويلة ولم تجد مسؤولا واحداً ولا إرادة حكومية يقوم بإيجاد حلول جذرية بإيقافها وكلنا يعرف الاسباب المباشرة وغير المباشرة لعدم القيام بذلك؟
لو تلقت كازية ما طلب بسعر 22000 لتر بنزين يعني 1100 تنكة طبعاً بالمطلق لايوجد كازية تعبئ بدقة وأمانة “لاسمح الله”، وبالتالي ولو تمت سرقة 1 لتر فقط من كل تنكة يعني هناك سرقة بالحد الأدنى 1100 لتر من طلب واحد فقط هل تتخيلون حجم السرقات بينما لاتتمكن وزارة النفط من توزيع اكثر من 170 طلب باليوم طبعا يقابلها220 طلب مازوت وهكذا لتتخيلوا حجم السرقة هذا لو تم الاكتفاء بسرقة لتر واحد من كل تنكة علما أن مايحدث أنّ الكازية تسرق اكثر من ذلك بكثير هذا ولم نتحدث عن وقاحة أصحاب الكازيات بالمتاجرة والتصرف بالاحتياطي الاستراتيجي وحيث يجب خضوعهم لقوانين اشد من القانون 8 نفسه الذي مازال مسكينا للاسف أمام قوة مؤسسة الفساد وحماتها؟
مع الإشارة هنا إلى أنّ كل القطاع العام يستلم مازوت بلا بطاقة اي “دوكمة ” و يتم توزيع مازوت يكفي نظريا ًللآليات الموجودة لدى القطاع العام دون وجود معلومات دقيقة عن عدد هذه الآليات وما يعمل منها فعلاً وكم تعمل من الساعات .
والواقع يقول أنّ اغلب الآليات متوقفة ويمكن آن نذكر هنا على سبيل المثال آليات الشركات الإنشائية ما يعني وجود حجم كبير من السرقات المجانية وتذكرونا لو حاولت وزارة النفط أتمتة المازوت الذي يعطى لهذه الآليات واشتراط عملها كي تحصل على القود ماذا سيحدث، سيظهر من يصور الأمر على أن إعادة اعمار سورية ستتوقف بسبب تنظيم توزير المشتقات على هذه الاليات ووقف هدرها الكبير جداً ؟
مثلا باص للقطاع العام يحصل على 300 لتر عندما لايعمل لسبب أو لآخر فإن المازوت الذي حصل عليه حكماً سيتم ضخه في السوق السوداء وتخيلو كما من المازوت والبنزين يتم ضخه في السوق السوداء لعدم وجود بيانات ومعلومات ولعدم وجود أتمتة وأجهزة تتبع ومراقبة؟
مصدر آخر هو سرقة أصحاب الصهاريج من مستودعات التحميل فاذا سرق كل صهريج 100 لتر فقط وتحجج بانها ارتيابات بالقياس فهذا يعني سرقة 22000 لتر مازوت و 17000 لتر بنزين وهكذا.
وللتأكيد على أنّ السرقات مازالت كثيرة ومغذية للسوق السوداء بسخاء .. لنسأل السؤال التالي: كيف يمكن لاتحاد ما كاتحاد الفلاحين مثلاً، لديه ترخيص كازية أن يعطيها استثمار للقطاع الخاص مقابل مبالغ فلكية لو لم يكن هناك ايرادات من سرقة محسوبة سلفا إلا إذا كان هناك من سيقول أنّ الايراد الذي يحصل عليه صاحب الكازية والمحدد ب 1% عمولة يكفي للجميع؟
في الحقيقية وببساطة شديدة الكل يعرف بالسرقات التي تحدث في قطاع توزيع المشتقات النفطية أو مساهم فيها أو مستفيد منها، ولن تستقيم الامور إلا بالأتمتة واتخاذ قرارات شجاعة بوقف نزيف الوقود الذي يتوجه إلى السوق السوداء ليباع بسعر 7000 او 8000 ليرة لكل لتر بينما كل الناس تدفع بناء عليه وحيث لايبدو الدعم الذي تقدمه الدولة اي اثر أو تأثير، شوفير التكسي وكل وسائط النقل وكل السلع المنتجة يحاسبنا أصحابها على سعر مازوت وبنزين حر، والجميع لايعترف ولايضع البنزين واالمازوت المدعوم الذي يحصل عليه في عملياته الحسابية، فقط التسعير يتم على سعر السوق السوداء تماما كما يحدث في السلع المستوردة الممولة بالسعر الرسمي وحيث تسعر على سعر صرف السوداء.
لقد حان الوقت لدعم المنتج النهائي تماما، كما حان الوقت وتم البدء به لاستخدم “الجي بي اس” بينما ينتظر ان تصل الحلول التكنولوجية الى كافة مراحل توزيع المشتقات النفطية والمواد المدعومة وتلك التي تخضع لادارة النقص.
السوق السوداء ليس عالما مجهولا هو عالم واضح ومعرف يحتاج فقط لارادة في التعامل معه وتجفيف مصادره بطريقة علمية وذكية.
نحن نعيش في بلاد سرق نفطها وسلب خيراتها، وكل ماتتمكنمن استيراده لايكفي حاجة استهلاكها ما أثر على قطاعاتها الاقتصادية ومنع انطلاقتها بالشكل المطلوب، وكما أن إدارة النقص يمكن ان تساعد في تحقيق حالة من العدالة وليس الاكتفاء فإنّ ضبط السرقات ومنعها وأتمتة كافة مراحل توزيع المشتقات من شأنه أن يوسع هامش توزيع المواد المدعومة فالسوق السوداء تشكل حالة من الضغط على الناس والفعاليات وتأثيراتها على معنويات الناس واحساسهم اتجاه دولتهم خطير.