تنجيم وفلك ومعرفة تنبؤية، كلمات مفتاحية يكثر تداولها في نهاية كل عام، وتكون أدوات المنجّمين ثقافة ومعلومات عن تحرّكات ومواضع النجوم في السماء، التي تساعد في تفسير الأحداث وقراءة الطالع والمستقبل للقادم من الأيام.
أما فيما يتعلق بقراءة التنبّؤات السياسية وانعكاسها على الولايات المتحدة الأمريكية، فلابدّ حين دراستها من استحضار الميدان السوري، وقراءة انعكاسه وتأثيره على طالع واشنطن السياسي، فبفضل بواسل هذا الميدان تمكّنت الدولة السورية من تثبيت أقدامها في خريطة المفاوضات السياسية، إثر انتصاراتها وإنجازاتها التي تحقّقت في عام 2018 وكانت على الشكل الآتي:
تحرير الغوطة- دوما- القلمون الشرقي في النصف الأول من العام وإعلان دمشق وريفها منطقة آمنة خالية من الإرهاب، إنجاز سجّل تحوّلاً استراتيجياً مهماً لمصلحة دولة ذات سيادة، كان أن تعرّضت لها ثلّة حلفاء مشهود لهم بالإجرام وانتهاك القانون الدولي والأعراف.8
إنجاز كان الانطلاقة لتحقيق سلسلة من الانتصارات، رافقتها بعض العثرات التي حاول حلف العدوان خلقها في الساحة السورية وفي المنابر الأممية، فكانت الضغوط الخائبة على خلفية ادعاءات ما يسمى «الملف الكيماوي»، وكان أيضاً العدوان الثلاثي (الأمريكي- الفرنسي- البريطاني)، وقبله كان تراجع ترامب عن إعلانه الأول انسحاب قواته من سورية، رابطاً بقاء قواته «المأجورة» بدفع حلفائه تكاليفها وتكاليف الحماية الأمريكية لهم، لكن هذا الانسحاب اللّفظي مالبث أن تحقق على جرعات، ليكون التخلّي الأمريكي عن أدواته/ المسلحين في ميدان الجنوب من دون أي تمهيد أو تلميح إعلان.
في شهر تموز استطاع الجيش العربي السوري رسم خطوط سيطرة جديدة، بنجومه العسكريين والسياسيين، ترجمت بإغلاق ملف درعا والسويداء بالكامل، وإعلانهما خاليتين من المجموعات المسلّحة والإرهاب، تلاها فتح معبر نصيب- جابر رسمياً أمام حركة الركّاب والشاحنات بعد ثلاث سنوات من الإغلاق بفعل الإرهاب، ليكون الإنجاز شبه الأخير في الأجندة العسكرية السورية لعام 2018 دخول الجيش العربي السوري منطقة منبج، ورفع العلم الوطني فيها، تمهيداً لإعادة الانتشار في منطقة شرق الفرات، تزامناً مع إعلان الأمريكان بدء الانسحاب الفعلي من الأراضي السورية، وليشكل هذا القرار، وحسب تصريحات مسؤولين عسكريين في الكيان الصهيوني، انتكاسة كبيرة لـ«إسرائيل».
وللتذكير أيضاً، فقد صفعت سورية «إسرائيل» قبل الصفعة الأمريكية، وذلك بإسقاطها طائرة «إف16» في العاشر من شباط، ووصول منظومة «إس300» الروسية لقوات الجيش العربي السوري.
كلّ تلك التحركات والمواقف كان لها التأثير المماثل لتأثير الأجرام والنجوم في تفسير الأحداث واستلهام الباحثين لتنبّؤات سياسية، منها التوقعات التي نشرتها مجلة «ايكونوميست» الدولية في عددها الخاص تحت عنوان: «نهاية الهيمنة الأمريكية في الشرق الأوسط»، وقد أَثْرتها بلوحة تتضمن ثلاثة جنود يقفون معاً وخلفهم العلم السوري وصورتا الرئيس بشار الأسد والرئيس فلاديمير بوتين، بينما نشرت صحيفة «واشنطن بوست» تحليلاً مشتركاً لـ«ميللير وريتشارد سوكولوسكي» يريان فيه أن انسحاب ترامب من سورية يشير إلى اختلال في ميزان القوى في المنطقة لمصلحة التحالف (السوري- الروسي- الإيراني) بعد انتصاره على التنظيمات الإرهابية ومَنْ كان يدعمها.
إذاً..
فلقد كان الفلك السياسي السوري ذا تأثير واضح ومباشر على الساحة الأمريكية ومن لفّ لفّها بامتياز، وكان لاعتماده على ثلاثة أقطاب (القيادة- الجيش- الشعب) وتقاطعه مع توافق رؤى لحلفاء وأصدقاء أن حقق الحضور الاستثنائي لإنجازات وانتصارات تليق بالنجم العربي السوري الذي ما انطفأ يوماً، ولا تغيّر وهجه، وهو الثابت والمقاوم والرافض لكل أشكال التبعية أو الاستسلام.