Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.

التشوهات المحمودة بقلم د. ياسمين سليمان

نُولد أنقياء من الداخل ، لا حقد ولا كراهية ، لا نعرف طعمآ للألم والحزن ، لم نُصاب بعد بذلك المرض اللعين الذي يُسمى بالإكتئاب المزمن الذي نعيشه الآن مع الأسف ، بل ويعيشنا هو الآخر بلا رحمة .

يعيش الإكتئاب في صدورنا و كأنه اختار قلوبنا المجروحة وطنآ له ، واعتبرها إرثآ من أجداده ، فتجده يحاربنا بكل قوته إن حاولنا مجرد محاولة بائسة لطرده بعيدآ عن قلوبنا المرهقة من تمسكه بها و إستيطانه فيها .
و أي شيء أغلي على المرء من وطنه وأرضه حتى يُقاتل من أجلها ومن أجل بقاؤه فيها ..!!

تخيل .. عندما يتحول الإكتئاب لفارس مغوار وسلطان مُظفر لا يعرف للهزيمة معنى أو سبيل ، ويحاربنا بسلاحه البارد الفتاك فيمزق أجسادنا من الداخل ، يُقطع شرايين الحياة فينا شريانآ ..شريانآ .
ببطء شديد لا يمله هذا اللعين ..!!

أعتقد أن أكبر أخطائنا تبدأ عندما نقرر أن نتغلب على ذلك الإكتئاب و هذا الحزن الدفين في قلوب هي ميتة بالأساس ولكنها لاتزال تنبض ..!!
ربما كان لنبضها سبب وحيد ، ألا وهو ضخ الدم لجسد مات كل جزء فيه على حده ، ولكنه مرغم على انتظار الموت يأتيه ليأخذ ما تبقي ويعلن وفاته رسميآ .

يجب علينا الإعتراف بأن ثمة أمراض لا شفاء منها ، وإنما يتوجب علينا أن نعترف بها و نُقر بوجودها كجزء أساسي فينا ، بل ويتخطى الأمر ماهو أكثر من ذلك .. يتوجب علينا أن نصاحبها ..!!

نعم .. صاحب إكتئابك و حزنك وكن رحيمآ بهما حتى وإن لم يرحمانك أبدآ .

فأنت مَن أتيت بهما وأحضرتهما من جراء عقلك الساذج أو قلبك الأكثر سذاجة ، فكان عقلك أبوهما وكان قلبك أُمهما .. فَلم العجب الآن وأنت تري إبنيك اللذين أنجبتهما !!

عندما تصل إلي تلك الحالة من الجمود الروحاني والوجداني ، عندما لا تجد شيئآ يفرحك ولا شيئآ يحزنك ، عندما يعجز قلبك عن الحب ويتوقف شعورك بأقصى درجات الألم .. اعلم أنك رأيت ما يكفي لجعلك هكذا .

كل ما مررت به كان له أثرآ سلبيآ في نفسك ، وجرحآ عميقآ في قلبك ، ولكنه منحك بصرآ أقوى .. بصرآ يجعلك قادرآ على رؤية الأشخاص على حقيقتها ، بل و تستطيع أن تري نفسك في عيونهم ومكانتك لديهم بكل وضوح .
بصرآ يجعلك قادرآ على رؤية الحقائق كاملة دون تزييف ، وعلى فهم وتفسير المواقف والأفعال دون تهويل أو تهوين .

فتجد نفسك مصابآ بعدة تشوهات ، نعم تجد نفسك مشوه نفسيآ .
ولكن .. ليست كل التشوهات ذميمة أو مكروهة ، فالتشوهات التي تجعلك مبصرآ وعقلانيآ ، وتجعلك أقوى في فهم الناس وأكثر قدرة في التعامل معهم .. هي تشوهات محمودة .

التشوهات التي كانت ثمنآ لأن تري ما رأيت ، وتفهم ما فهمت ، لابد أن تكون تشوهات محمودة..!!

فبعض التشوهات يا سادة هي تشوهات محمودة ، لأنها أعطتك مثلما سلبتك ، وأحيانا .. تخلق منك إنسان جديد ، إنسان آخر غيرك لا يشبهك إلا في شكلك فقط وكأنه توأمك ، ولكنه يختلف عنك في كل شيء ، صفاته ، طريقة تفكيره ، قوة تحمله لسخافات الآخرين ..
تلك التشوهات كانت هي السبب الوحيد لتكون على ما أنت عليه اليوم ، جامد .. صلب بالقدر الكافي لأن تظل علي قيد الحياة رغم أنك شخص ميت بالأساس .
فقط تمسك بتلك التشوهات المحمودة لتبقى حيآ ..!!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى