يبدو أن رئيس النظام التركي رجب طيب أردوغان يراهن على استحقاقات دولية ستجمعه مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الأميركي جو بايدن، في محاولة أخيرة له للتملص من تنفيذ بنود الاتفاقيات الثنائية مع الجانب الروسي الخاصة بمنطقة «خفض التصعيد» في إدلب.
مراقبون للوضع شمال غرب وشمال شرق سورية، أوضحوا لـ«الوطن» أن أردوغان يأمل بتبلور «تفاهمات» إثر لقاء القمة الذي سيجمعه مع بوتين نهاية الشهر الجاري في مدينة سوتشي الروسية، ولقائه المرتقب ببايدن بين ١٩ و٢٢ الشهر المقبل على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، تخرجه من «المأزق» السوري الذي بدأ يضيق الخناق عليه لاسيما في ظل المتغيرات الدولية التي فرضها الانسحاب الأميركي من أفغانستان ونيته مغادرة المنطقة نهاية العام.
وبيّن المراقبون أن الوضع الميداني في «خفض التصعيد» سيكون حاضراً أيضاً على جدول أعمال القمتين في ظل إصرار النظام التركي على تجاهل رسائل النار من سلاح الجو الروسي الذي لا يكلّ عن استهداف مواقع ومعاقل إرهابيي النظام التركي في «خفض التصعيد».
من جهته يبدو أن الجانب الروسي حسب المراقبين، حسم أمره بخصوص الانتهاء من ملف «خفض التصعيد» وتطبيق بنود الاتفاقيات المرتبطة به التي تتملص أنقرة منها حتى الآن، لاسيما فتح طريق عام حلب اللاذقية أو ما يعرف بطريق «M4» أمام حركة المرور والترانزيت، وهو ما عبرت عنه بشكل واضح تصريحات الرئيسين بشار الأسد وفلاديمير بوتين خلال اللقاء الذي جمعهما في موسكو الأسبوع الفائت، وتأكيدهما المضي قدماً في تحرير ما تبقى من أراض سورية يحتلها الإرهاب، كذلك إعلان الرئيس بوتين أن «المشكلة الأساسية في سورية هي وجود بعض القوات المسلحة الأجنبية على الأراضي السورية بشكل مناقض لكل المرجعيات الأممية ومن دون إذن من الحكومة السورية، والتي بطبيعة الحال تتعارض مع كل القوانين الدولية».
وأشار المراقبون إلى الحركة الدبلوماسية القادمة إزاء الملف السوري من الدول الوازنة في ملعبه، لافتين إلى أن هذا الملف بأوراقه المتناقضة، حضر بقوة على طاولة نقاشات الاجتماع الذي جمع مبعوث الرئيس الأميركي ومسؤول الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي الأميركي بريت ماكغورك بنائب وزير الخارجية الروسي سيرغي فرشينين والمبعوث الرئاسي ألكسندر لافرنتييف في ١٥ و١٦ الشهر الجاري بجنيف، على الرغم من التكتم على نتائج المباحثات، التي يتوقع أن تكون انحازت لوجهة نظر موسكو لحلحلة القضايا العالقة.
هذه المعطيات دفعت أردوغان على ما يبدو لاستجماع بعض الأوراق قبيل لقائه نظيره الروسي، حيث دفع «جبهة النصرة» وحاضنته «هيئة تحرير الشام»، المدرجة على قوائم الإرهاب الأممية والأميركية، إلى تثبيت قواعده في عفرين التي يحتلها النظام التركي بريف حلب الشمالي وبتسهيل من استخباراته، لإيجاد موطئ قدم له في المنطقة ضمن صفقة تعد بمنزلة «جائزة ترضية» لمتزعم الفرع السوري لتنظيم القاعدة أبو محمد الجولاني مقابل السماح بفتح طريق «M4».
تزامن ذلك مع رفع النظام التركي من مستوى تدريب ميليشياته شمال وشمال شرق حلب، كما كشفت مصادر إعلامية معارضة لـ«الوطن» عن تحركات مريبة لميليشياته، بغية المشاركة في عملية غزو محتملة قد يعد لها لقضم مناطق تقع تحت هيمنة «قسد» شرق الفرات، تتبع أي عملية انسحاب أميركي محتملة من تلك المنطقة.
مآل التفاهمات الروسية التركية يبقى رهن اللقاء المرتقب، الذي سيكشف النيات الحقيقية لأردوغان، سواء بسحب جزء من قواته من سورية، أم العمل على تثبيت مزيد من النقاط في منطقة شرق الفرات تمهيداً للانسحاب الأميركي نهاية العام.